هذا انا../ محمد العاقب الشيخ الحضرامي
بهذا العنوان المُثير قدّمت قناة الجزيرة برنامجا وثائقيا حول حياة الولي المجاهد العارف بالله تعالى والدالّ عليه شيخنا الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين..
ورغم ما يوحي به عنوان البرنامج من تحديد وحصر وتنبيه -باستخدام هاء التنبيه واسم الاشارة وضمير المتكلم- إلا أن البرنامج ويا للأسف الشديد لم يرقى لتطلعات مُحبّي الشيخ ماء العينين ومريديه بل ولا لأيّ مُتابع حصيف يرومُ معلومات وثائقية واضحة ومفيدة..ودقيقة!
في هذه العُجالة سنعرضُ للنواقص التي شابت في رأينا المتواضع هذا العمل الوثائقي على رغم أهميته ورِيادتِه “أولا”
وأسباب تلك النواقص أو الأغلاط “ثانيا”
أولا- النواقص التي شابت البرنامج..
لا شك أن اي فيلم وثائقي قد تشوبه وتتخلّلهُ أغلاط وثغرات مختلفة تتعلق بالحبكة التشويقية مثلا وبالمعلومات نفسها فضلا عن الاخراج وانتقاء المُتدخّلين ولغة التحرير… وغير ذلك كثير من أوجه القصور الفنية والأدبية و التي لا يسلمُ منها أي جُهد بشري مهما بلغ من الاتقان والكمال النسبي.. وأحرى وثائقي مُختصر و مُوجّه لغير المتخصّصين..
بيد أن “هذا انا” ويا للأسف لم يقدّم ولا اقلّ القليل مما أريدَ منه أن يُقدم ، وما يفترض في نوعه من البرامج وينتظره المشاهد ..
يعود ذلك -في جانب- إلى الإختزال المُخِل في مدة البرنامج “أقل من ستين دقيقة ضاع ربعها في الفقرات الترويجية والموسيقى التصويرية Soundtrack ” ..
وكان المفترض أن تكون مدة الوثائقي أطول بكثير نظرا لأهمية الشخصية التي يتناول وغناها الأدبي وتشعّب نِتاجها الفكري واتّساع تأثيرها السياسي والروحي..”كانت حلقات الجزيرة الوثائقية حول نجيب محفوظ على سبيل المثال ثلاث حلقات كلها ساعة..ومن نافلة القول أن الشيخ ماء العينين شخصية أكثر ثراءا بمالا يقاس من الروائي الكبير..رحمهما الله جميعا..
ثم إن اختيار الضيوف المتدخّلين لم يكن موفّقا بالكامل..ليس لعيب فيهم بل في الغالب لعدم التخصص وقلّة التحضير فيما يبدو!..
وذلك من باب التماس احسن المخارج..
وإلا فبأي عذر نبرّر كلام إحدى المتدخلات عندما ذكرت أن الشيخ ماء العينين أثناء حجه -وفي مكة المكرمة – “لم يلتزم” بالبُعد الروحي الذي يفرضه الزمان “موسم الحج” والمكان “مواجهة الكعبة والمسجد الحرام” وإنما اشتغل بعدّ سواري المسجد وتوثيق ماديات المكان..!!..
ولو أن ابن اخي وهو مراهق في بداية المرحلة الثانوية استخدم في الحديث عن الشيخ ماء العينين عبارة “لم يلتزم” لانتهرته وأمرته بتهذيب العبارة ، ولو أكمل الفكرة على نحو ما فعلت الأخت الباحثة لاستسخفتُ عقله! فليت شعري أين الخشوع والروحانية إن لم يُلتمسا في أمثال الشيخ ماء العينين..غير حاجّ وأحرى وهو رضي الله عنه المسجد الحرام!
قبل هذه المتدخلة قدّم ضيف آخر من ضيوف البرنامج الشيخ ماء العينين باعتباره مؤثّرا مثله مثل مشاهير آخرين ومُصلحين ورجال فكررفي المشرق العربي والمغرب الكبير كمحمد عبده مثلا في مصر و علال الفاسي في المغرب وهذا لعمري عين عدم الانصاف أن يُقاس سياسي محلّي ورجل دولة في بلاده مثل علال الفاسي بالشيخ ماء العينين..وأين وجه القياس التشبيه؟ هل في عدد المؤلفات ونوعيّتِها أم في عدد الأتباع واتساع مجال التأثير
وهل محمد عبده -ببرامجه لإصلاح الازهر الشريف ومواجهة السلطات السياسية في بلاده كمثل الشيخ ماء العينين؟ وزنا وتأثيرا وجهادا وعلما وتعليما..مالكم كيف تحكمون..
المدهش أن احد الضيوف قارن تأثير الشيخ ماء العينين في الصحراء بتأثير محمد بن عبد الوهاب في الحجاز! ..ولاتسألني عن وجه الشبه في التأثير بين نواة السلفية التكفيرية ومرجعيّتها ، وبين خاتمة التصوف السني المُحمّدي وريحانته..ولا عن وجه الشبه بين رجل يهدم قبور الصحابة ويكفّر ثلاث أرباع الامة في زمانه ، ورجل يزور اضرحة الرجال السبعة في مراكش ويتوسّل بهم ويدعو لاخوة الطرق الصوفية “إني مواخ لجميع الطرق..الخ
هذا عن الضيوف باختصار شديد وإن كانت مداخلة العالم الجليل الرجل الصالح الدكتور حمداتي ناضجة وأكاديمية وان لم يُعطَ من الوقت ما يكفي وما يستحق
بقي المضمون الذي تناوله الوثائقي فقد أهمل مؤلفات الشيخ ماء العينين “ويفترض ان تكون هي بيت القصيد” إهمالا فظيعا يكاد يكون تاما الا من قبسات قليلة ومختصرة..
يتبع